هذه حقيقة مهنيّة أستطيع التصريح بها نتيجة التباس صريح..
بين الكاتب وأدعياء الكتابة.
بين الفّنان والغشّاش.
بين العبقريّة والسرقة.
بين الذكاء والتذاكي.
وهذا اللغط يتجسّد من واقع عدم خبرة وإلمام بأهميّة دور كاتب المحتوى والأثر والنتيجة المترتبة عليه سواء على المدى القريب في زيادة المبيعات أو البعيد في إثراء الوعي للعلامة التجاريّة إلى بناء شخصيّة وهويّة نصيّة تفاعليّة متكاملة للكيان مع العملاء وفق معايير، خطط، استراتجيات، تقييم ومتابعة.
إحدى تلك الاستراتيجيات مثلا..
تحسين محركات البحث من خلال الكلمات المفتاحية والرئيسية، على الرغم من أن تحسين محركات البحث المدفوعة (SEM / Search engine Marketing) نتائجها أفضل من حيث عدد تحويلات العملاء المحتملين إلى موقع الشركة الإلكتروني عبر طريقة التكلفة لكل نقرة (PPC / Pay Per Click) متفوّقة على تحسين محركات البحث العضوية (SEO / Search engine optimization)
ومع ذلك النسبة العظمى تميل إلى التحسين الأخير لأنها قليلة التكاليف (قليلة وليس منعدمة) من خلال محتوى يناسب خوارزميّة جوجل بحيث تجذب عملاء محتملين من خلال ترتيب أعلى لنتائج جوجل.
العديد من كتّاب المحتوى لا يدركون آلية عمل خوارزميات محرك البحث جوجل وإنما يحفظون عبارات متكررة ومفردات مستهلكة ويستخدمونها في كل محتوى، وهذا الأمر صحيح لكن في السابق كانت الخوارزميّة معنيّة بتضمين كلمات رئيسية مكثّفة للمنتج أو الخدمة لكن الآن أصبح الأمر أكثر تعقيدا في أن الخوارزمية تعمل للتعرّف على هدف البحث والموضوع من خلال الكلمات الرئيسية -بالكيف وليس بالكم- ولهذا السبب هناك أهداف يمكن توظيفها في المحتوى للحصول على نتائج توافق الخوارزميّة.
ولهذا أختلط الحابل بالنابل وأصبح الجميع يجيد هذا الدور الهامشي أو ربما إضافة إلى أعمال أخرى يجيدها والنتيجة كارثيّة دون أدنى شك أو على أقل تقدير محتوى ركيك لا يضيف أدنى قيمة تحقّق الهدف المنشود.
ومع ذلك.
السوق يستوعب جميع الكتّاب بمختلف مؤهلاتهم وخبراتهم وبحسب التكلفة وبمقتضى مبدأ الاقتصاد العرض والطلب.
لكن لا يمكن بمطلق الأحوال اعتبار الكتّاب سواسية لا بمنطق الخبرة والممارسة ولكن بناء على تسويق الذات الذكي من قبل الكاتب.
لي تجربة مع أحدهم وقد تبدو قصّة ساخرة أو حكاية من وحي الخيال ولكن هذا ما حصل لي بالضبط:
إتّصَل بي أحد مدّعي الكتابة بناء على توصية أخرى من كاتب يخبرني عن مشروع تجاري ونموذج عمله قائم على التطوير العقاري ويرغب بسيناريو إبداعي يزيد من حجم المبيعات، وبعد السؤال عن تفاصيل المشروع..
من فهم شخصيّة الشركة ودراسة الفئة المستهدفة وتحليل المنافسين والرسالة التي يرغبون في إيصالها (وعي بالعلامة التجارية – حثّ على الشراء – الحديث عن الفوائد والمزايا) وأيضا نوع الرسالة ( عاطفية – ساخرة ومضحكة – منطقية ولغة أرقام ..) وطريقة السرد باللغة العربية الفصحى أو اللغة البيضاء وتحديد المنصّات الاجتماعية المستهدفة، كذلك التوقيت والميزانيّة وآلية التسويق أو اختيار المؤثرين والمشاهير.
هذا المختصر (البريف) ينبغي على كل كاتب محتوى أن يسأل عنه حتى تتّضح الصورة الكاملة لديه، وعلى ضوء هذه المعطيات مع خبرة جيّدة في التسويق يستطيع بعدها أن يتقمّص دور الممّثل الرسمي للشركة ولكن من خلال المفردات والكلمات.
سألته فيما بعد عن سبب عدم عمله على المشروع والذي بطبيعة الحال كوّن لدي افتراضات مبدئيّة قد تكون قلّة الميزانيّة، عدم تفرّغ إلى آخره من الأسباب.
وهذا ما حصل.
قال لي: عدم التفرّغ.
لم تنتهي القصّة هنا.
قرأت ملف أعماله فيما بعد والذي وجدت فيه أنه يتضمّن لنفس الشركة التي كتبت لها.
الشركة التي تتمتّع بثقلها في السوق المحليّ وتمتلك حصة سوقيّة عالية مقارنة بالمنافسين.
وبعد أن استلمت المبلغ المجزي فرّطت بالمقابل على أن ينسب العمل لي بحكم أنّي طرف ثالث ونسب له.
هذا المثال يجسّد بشكل واضح أن الإنسان الذكي هو القادر على الإقناع ويمتلك ذكاء اجتماعي أعلى من غيره لينال مثل هذه المشاريع وإن كان دوره وسيط لا كاتب أو مدّعي للكتابة.
وهنا أطرح تساؤل مهم جدا:
ماهو المعيار على من يقّدم ويكتب بجودة عالية؟
قبل أن أجيب لابد ألا نغفل جانب جوهري يكمن في رؤية العميل للمشروع وطلباته المختلفة والتي ربما لا تتوافق مع الرؤية المطلقة للكاتب وسأتحدّث في تدوينة أخرى عن أنواع العملاء إن سمح لي الوقت، هذه الرؤية تتطلّب مفاوضات وسلسلة إقناع على إثبات المخرجات والنتائج باختلاف معطيات كل مشروع عدا أنها تتشابه في ملامح رئيسيّة بحسب نموذج العمل والتجربة والخبرة للحصول على إجابة قطعيّة في جدوى صياغة المحتوى بالطريقة الأنسب وكما يراها الكاتب الجيّد.
الكاتب الفعلي ينبغي عليه أن يتفرّد بأسلوب معيّن للكتابة، بطريقة سرد تعكس شخصيته وسمعته من خلال الأعمال ولا بأس أن يعمل في غير مساره ولكن يدرك حجم المخاطر التي من المحتمل أن يقع فيها.
هذا العبث وهذه العشوائية في إجادة كل مسارات فنّ الكتابة لا يجعل من الكاتب كاتبا استثنائيا يتفرّد بعقله وبكتاباته.
كاتب الإعلانات الشهير ديفيد أوجيلفي لم يكتب إلا فيما يجيده، لم يتطرق للأدب أو السينما وإنّما كرّس وقته وجهده في صناعة الإعلانات حتى لقّب بالأب الروحي لهذه الصناعة.
لا بأس أن نجتهد وأن نعمل لزيادة مصادر الدخل بمهارة أو صنعة ولكن لابد وبالضرورة أن نسمّي الأشياء بمسميّاتها ورحم الله من عرف قدر نفسه.
ما يهم فعلا .. وهو الأمر المجهد والصعب الوصول إليه.
التفرّد ووضع بصمة مغايرة يدركها الآخرون.
علامة شخصيّة وبراند شخصي على كفاءة وأحقيّة بالأفضليّة عمّن سواك.
وهذا ما أطمح الوصول إليه في توظيف محتوى استثنائي ومتماسك وباللغة الفصحى.

أضف تعليق